الفصل الأول

من كتاب المواضيع الاجتماعية

للكاتب عبد الله خمّار

 

المواضيع الاجتماعية: تعريفها وبناؤها

تعريفها :

هي تلك التي تطرح هموم وانشغالات المجتمع سواء أقدَّمت واقترحت حلولاً لهذه المشاكل أم ألقت الضوء عليها وأبرزتها ثم تركت للقارئ أو لمن يهمهم الأمر من سياسيين ومصلحين وعلماء اجتماع إيجاد الحلول. وكما أن هناك مشاكل مشتركة في كل المجتمعات تزيد حدتها أحياناً أو تنقص بسبب الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمع كالفقر والجهل والمرض والآفات الاجتماعية والانحرافات الخلقية كالإدمان والسرقة، فإن لكل مجتمع مشاكله الخاصة به والتي تخضع لطبيعة هذا المجتمع كما تخضع لشروط الزمان والمكان. مشاكل المجتمع الريفي تختلف عن مشاكل المجتمع المدني الصناعي، ومشاكل المجتمعات الإفريقية تختلف عن مشاكل المجتمعات الأوربية ومشاكل القرن الثامن عشر تختلف عن مشاكل مجتمعات القرن الواحد والعشرين. لذلك نرى مواضيع مشتركة بين مؤلفي الرواية منذ نشوئها حتى الآن رغم اختلاف الزمان والمكان كما نرى مواضيع مختلفة تطرح هموماً ومشاكل تخص زماناً ومكاناً معينين. فمشاكل عمال مناجم الفحم الذين يعملون تحت الأرض في ظروف غير إنسانية في القرنين الثامن والتاسع عشر تختلف عن مشاكل العمال المهاجرين الآسيويين والأفارقة إلى أوروبا وظروف إقامتهم فيها في أواخر القرن العشرين، ومشاكل الفلاحين في روسيا في القرن التاسع عشر مثلاً تختلف عن مشاكل الفلاحين الجزائريين الذين صودرت أراضيهم وأصبحوا خمّاسين لدى المعمِّرين في الفترة نفسها. مشكلة تفكك الأسرة وازدياد نسب الطلاق واليتم والأولاد غير الشرعيين تختلف من مجتمع إلى مجتمع وهي خاصة بالمدن الكبرى التي انحلت فيها روابط العشيرة والقرابة وضعفت فيها القيم الروحية وحلت مكانها القوانين الوضعية وازداد فيها طغيان المادة التي أصبحت معياراً هاماً للعلاقات وهكذا. ولعل المشاكل المشتركة بين جميع المجتمعات أو بعض المشاكل التي أصبحت تنتقل من المجتمعات الصناعية إلى المجتمعات النامية تجعلنا نستفيد من تجارب الروائيين الكبار مهما كانت المجتمعات التي ينتسبون إليها وبصرف النظر عن انتماءاتهم العقائدية والسياسية.

أهم المواضيع الإجتماعية :

والمواضيع الاجتماعية التي تطرحها الرواية تخص الفرد والأسرة والشرائح الاجتماعية والمهنية والإدارة. وأهمها :

1-الانحرافات الخلقية والسلوكية:  وهي آفات تنخر في جسم المجتمع كالإدمان وأهم أنواعه وأخطرها الإدمان على المخدرات والقمار والخمر والروائي يظهر آثارها المهلكة التي تتجاوز الفرد إلى الأسرة والمجتمع. وكذلك السرقة والغش اللذين يؤديان إلى انعدام الثقة والأمن، والكذب والنميمة وغيرها من الانحرافات الخلقية. أما الانحرافات السلوكية فيلقي الروائي الأضواء على شيوع القيم المادية والاهتمام بالمظاهر والحكم على الناس من خلالها، وتقليد الأجانب تقليداً أعمى في قشور الحضارة لا في الإنتاج  والإبداع  والعمل. ومن الانحرافات السلوكية أيضاً التمسك بالعادات والتقاليد البالية التي ترهق الفرد والمجتمع كالنفقات الباهظة في الأعراس جرياً وراء الافتخار الفارغ وعادات الأخذ بالثأر الشائعة في المجتمعات العربية وذبح الفتاة الخاطئة غسلاً للعار والتغاضي عن خطايا الرجل .

ويدعو الروائيون إلى التمسك بقيم الشهامة والأمانة والصدق والوفاء والشجاعة فبانعدام الأخلاق تنعدم الثقة وتتفكك روابط المجتمع وينهار بناؤه مصداقاً لقول شوقي :

وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيتْ        فإنْ همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

2-الأسرة: وممّا يعالجه الروائيون مشاكل المرأة العاملة في البيت والوظيفة  وتفكك الروابط الأسرية في المدينة والخيانة والطلاق وتمزق أبناء المطلقين وتعدد الزوجات والزواج المختلط وأبناؤه واليتامى واللقطاء ومعاناتهم في الملاجئ والأيتام وفي البحث عن مكان ومكانة لهم في المجتمع.

3-الشرائح الاجتماعية : ومنها المصنفة حسب الجنس كالرجال والنساء، والمصنفة حسب  السن كالأطفال والشباب والشيوخ، والمصنفة حسب السلامة والإعاقة كشرائح المكفوفين والصم البكم والمعاقين حركيًا ومرضى الأعصاب وغيرهم، والمصنفة حسب المنطقة كسكان المدينة وسكان الريف، والمصنفة حسب الثقافة كالأميين والمتعلمين والمثقفين من أصحاب الشهادات العليا فيعرض الروائيون مشاكل كل من هذه الشرائح كتأثير التقاليد في جهل المرأة الريفية وتأثير الفقر في انتشار البطالة بين الشباب والهجرة والانحرافات الخلقية وتفشي القيم المادية وانحلال القيم الأخلاقية مما يؤدي إلى انتشار الأمراض العصبية والنفسية ورمي الشيوخ في ملاجئ العجزة بعد أن قدموا شبابهم ورجولتهم لأسرهم ومجتمعهم واستغلال الأطفال في العمل المضني في وقت مبكر وحرمانهم من حقوقهم الأساسية في التعليم.

4-الشرائح المهنية:  وهي جزء من الشرائح الاجتماعية يصنف أصحابها حسب مهنهم ، ويركز الروائيون مواضيعهم المهنية على عنصرين أساسيين :

  أ-الانحرافات المهنية : وهي التي تتعارض مع أخلاق المهنة فلكل مهنة واجبات وعلى صاحبها أن لا يهملها سعياً وراء الربح. والاستقامة والصدق والأمانة هي الأسس الأخلاقية لكل مهنة وهي التي تشيع الثقة بين المهني وزبائنه. والانحراف هو خيانة هذه الأسس كالاحتكار والغش لدى بعض التجار أو الإجهاض غير المشروع وكتابة التقارير الطبية الكاذبة لدى بعض الأطباء والتلاعب بكميات الإسمنت والحديد لدى بعض المهندسين والمقاولين مما يؤدي إلى انهيار الأبنية فوق رؤوس ساكنيها والكذب المتعمد لدى بعض الصحفيين والادعاء الباطل لدى بعض المحامين والتمييز في المعاملة بين التلاميذ الأغنياء والفقراء لدى بعض المعلمين وهكذا....  والإهمال  والتقصير في الواجب ينافيان أيضا أخلاق المهنة، ولكل مهنة أخلاقيات سواء أكانت محددة في "مدوّنة سلوك" أو جرى العرف باتباعها.

 ب- مصاعب المهنة وأخطارها : لكل مهنة متاعبها فمهنة الصياد في البحر تجبره على ركوب المخاطر ومواجهة العواصف والحيتان وأسماك القرش. مهنة رجل الأمن تعرض حياته عند ملاحقة المجرمين والمهربين لخطر الموت وكذلك مهنة الصحافي التي تقوده إلى أماكن البؤر الساخنة. مهنة عامل النسيج قد تسبب له الأمراض الرئوية ومهنة الطبيب قد تعرضه إلى خطر عدوى الأوبئة. وقد تكون الأخطار جسمية أو نفسية كأمراض المعلمين وأمراض العاملين في المستشفيات والمصحات النفسية ودور الروائي أن يظهر مصاعب المهنة وتفاني صاحبها في أداء دوره مما قد يتسبب أحياناً في هلاكه.

5ـ الإدارة :  ويظهر الروائي انحرافات بعض موظفي الإدارات الحكومية في الوزارات والأوضاع السائدة في بعض المؤسسات والمستشفيات والدوائر والبلديات وانتشار الفساد الإداري والإهمال واللامبالاة والرشوة والمحسوبية والجهوية والسلوك الانتهازي واستغلال النفوذ مما يؤدي إلى فقدان الثقة بين المواطن والإدارة كما يبرز التمييز في المعاملة بين المواطنين في حل مشاكلهم واختلال معايير الكفاءة وانعدام تكافؤ الفرص في التوظيف وآثار ذلك كله على الفرد والمجتمع.

6- الهجرة والاغتراب : ويتعرض الروائي لموضوعيْ الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة والهجرة خارج الوطن وأسباب كل منها، وعواقبها على الفرد والأسرة، وعلى كل من الريف والمدينة، كما يتعرض لموضوع الاغتراب ومشاكله المتمثلة في التمزق والتشتت بين حضارتين وعالمين وتأثيره على الأجيال الجديدة في بلاد الغربة .

7- السحر والشعوذة:  ويتطرق الروائي إلى استغلال المشعوذين لسذاجة بعض المغفلين من الرجال والنساء ومنهم متعلمون حملة شهادات بإيهامهم بأنهم يستطيعون كتابة حجب المحبة، أو كشف السرقات أو إيذاء الأعداء ومنع الحسد بتسخير الجن والشياطين.

وتتراوح مواقف الروائيين عند طرحهم هذه المواضيع بين مواقف سياسية عقائدية جذرية وبين مواقف أخلاقية معتدلة فحين يكون الروائي ملتزماً بعقيدة أو متعصباً لحزب معين نلمح أحياناً لون الإيديولوجية التي يدعو إليها ونشم رائحتها في كتابته، فهو يدعو إلى تغيير النظام كحل جذري للمشاكل الاجتماعية ويقف موقفاً سياسياً منها أو يدعو إلى  الإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي ويقف موقفاً أخلاقياً منها، ولكنه سواء أقدّم الحلول لهذه المشاكل أم اكتفى بإبرازها، فقد أدى دوره كروائي بطرح موضوع اجتماعي هام يستحق النقاش.

  لقراءة الجزء التالي انقر هنا: بناء المواضيع الاجتماعية- نموذج: السكير(دوستويفسكي)

 لقراءة الفصل السابق انقر هنا: تمهيد: المواضيع زبدة الرواية

للاطلاع على فصول الكتاب، انقر هنا: المواضيع الاجتماعيّة

للاطلاع على الكتب التعليمية الأخرى للكاتب انقر هنا: كتب أدبية وتربوية